ما الذي يميز الإستقراء عن الإستنتاج؟
طريقة المقارنة :
المـــــقدمـــــة :
يسلك العقل الإنساني عمليات فكرية مختلفة في سبيل البحث عن المعرفة ، والوصول إلى الحقيقة ، ومن بينها طريقة الاستدلال الصوري أو ما يصطلح عليه بالاستنتاج ، وطريقة الاستدلال التجريبي أو ما يسمى بالاستقراء ، و السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هنا هو ما الفرق بينهما ؟ وبعبارة أدق ما طبيعة العلاقة الموجودة بين الإستنتاج والاستقراء ؟.
الـــعرضــــــــــ:
أوجـه الاتفـــاق:
من خلال الوقوف على حقيقة كل من الإستقراء والاستنتاج ندرك أنهما يشتركان في الكثير من النقاط أهمها : أن كل منهما عبارة عن منهج أو طريقة يسلكها الباحث من أجل الوصول إلى الحقيقة والوقوف على النتيجة ، كما أن كل منهما عبارة عن استدلال غير مباشر ننتقل فيه من مقدمات إلى نتائج ، أي أن الأحكام التي نصل إليها في كلاهيما تسبقها مقدمات أو قضايا ، كما أن كل منهما يعتمد على مبادئ عقلية ويحترمها ، فالاستنتاج مثلا يعتمد على مبدأ الهوية وعدم التناقض ، والاستقراء أيضا يعتمد على مبادئ عقلية مسبقة ،كمبدأ السببية والحتمية وغيرها .
أوجـه الاختـلاف:
غير أن هذه النقاط التي يتشابهان فيها لا تعني عدم وجود نقاط أخرى يختلفان فيها وهذه النقاط هي : أن الإستنتاج ينتقل من أحكام كلية عامة إلى أحكام جزئية خاصة ، في حين الإستقراء هو حركة فكرية معاكسة ننتقل فيها من أحكام جزئية خاصة إلى قوانين وأحكام عامة ، كما أن الإستقراء يستمد يقينه من الرجوع إلى التجربة لأنه يقوم على انطباق الفكر مع الواقع ، في حين الإستنتاج يستمد يقينه من علاقة المقدمات بالنتائج أي من انطباق الفكر مع نفسه ، كما أن الإستنتاج نتائجه تحصيل حاصل لأن النتيجة فيه متضمنة في المقدمات ، ولذلك فهو عقيم لا يقدم شيء جديد ، وفي المقابل الإستقراء يقدم لنا دائما معارف جديدة ، لأنه يدرس عينات محدودة ويعمم الحكم ، ومن ثمة فنتيجته أكبر من مقدماته ، لأنه يخبرنا عن أشياء لم ندرسها ، وهو أيضا يمنحنا القدرة على التنبؤ ، وكذلك الإستنتاج يهتم بصورة الفكر وشكله و قد ظهر مع الفيلسوف اليوناني أرسطو ، في حين الإستقراء يهتم بالواقع أي الظواهر المادية ، وبرز بوضوح مع
الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون ، كما يختلفان أيضا في أن نتائج الإستنتاج يقينية لأنه يعتمد على اللزوم المنطقي الموجود بين المقدمات والنتائج، أما الإستقراء فنتائجه احتمالية لأن صدقها يعود إلى الواقع المتغير ، وكذلك الإستنتاج هو عبارة عن عملية تحليلية تفكيكية ، في حين الإستقراء هو عملية تركيبية تأليفية .
أوجـه التداخـل:
ولكن رغم وجود هذه النقاط التي يختلفان فيها، فإن هذا لا يعني عدم وجود نقاط تدخل بينهما وهي :
أن الإستنتاج يحتاج إلى الإستقراء باعتبار أن مقدماته هي في الأغلب أحكام استقرائية فعندما نقول مثلا في الاستنتاج التالي: كل المعادن تنصهر بالحرارة ، الحديد معدن ، فهو ينصهر بالحرارة ، فالمقدمة الكبرى هنا ( كل المعادن تنصهر بالحرارة) هي حكم استقرائي ، كما أن الإستقراء يحتاج إلى الإستنتاج المنطقي : الذي يمكننا من بناء صورة منطقية للنظرية كما قال كارل بوبر لكي لا تكون متناقضة ، وخاصة في وضع الفرضيات وهذا ما يؤكده برتراند راسل بقوله :< < إذا كان تفكير المجرب يتصرف عادة منطلقا من ملاحظة خاصة ليصعد شيئا فشيئا نحو مبادئ وقوانين عامة ، ، فهو يتصرف كذلك حتما منطلقا من نفس تلك القوانين العامة أو المبادئ ليتوجه نحو أحداث خاصة يستنتجها منطقيا من تلك المبادئ >>.
الخـــــــاتمــــة :
وفي الأخير نستنتج أن العلاقة بين الإستقراء والاستنتاج هي علاقة تكامل وترابط ، فلا يمكن الفصل بينهما أو عزلهما عن بعضهما ، فالذهن ينتقل من الإستقراء إلى الإستنتاج ويرتد من الإستنتاج إلى الإستقراء بحثا عن المعرفة، لذلك يقول الدكتور محمود قاسم : << وهكذا يتبين لنا أن التفرقة بين هذين الأسلوبين من التفكير مصطنعة .>> ، فمن الصعب - كما يؤكد برتراند راسل- الفصل بينهما لان الفكر الاستدلالي يستند في طلبه للمعرفة إلى هذين الطريقين المتكاملين ، وبدونهما يتعذر بناء استدلال صحيح.
بقلم أستاذ الفلسفة: بالضياف خالد